حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَقَ
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَال سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله تعالى عنه انه قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و على آله و صحبه وَ سَلَّمَ
( إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ (
قَالَ وَ فِي الْبَاب عَنْ ابْنِ بُحَيْنَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ
وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهَكَذَا رَوَى أَيُّوبُ
وَوَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ وَزِيَادُ بْنُ سَعْدٍ وَإِسْمَعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ
عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فَلَمْ يَرْفَعَاهُ
وَالْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ أَصَحُّ عِنْدَنَا وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ
مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ
إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ الرَّجُلُ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ
وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَقُ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ
رَوَاهُ عَيَّاشُ بْنُ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيُّ الْمِصْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ هَذَا .
الشـــــــــــــــــــروح
قَوْلُهُ : ( أَخْبَرَنَا رَوْحُ (
بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ( بْنُ عُبَادَةَ ) بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ حَسَّانَ الْقَيْسِيُّ
أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ الْحَافِظُ أَحَدُ الرُّؤَسَاءِ الْأَشْرَافِ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ وَابْنِ عَوْنٍ
وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ وَخَلْقٍ ، وَ عَنْهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَخَلْقٌ ،
وَثَّقَهُ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ ، وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ مِنْهَا التَّفْسِيرُ وَالسُّنَنُ .
قَالَ خَلِيفَةُ : مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَتَيْنِ وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ ( أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ
( الْمَكِّيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، وَعَنْهُ وَكِيعٌ وَأَبُو عَاصِمٍ وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ وَجَمَاعَةٌ .
قَالَ ابْنُ مَعِينٍ : يَرَى الْقَدَرَ ، وَثَّقَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
قَوْلُهُ : ( إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ )
أَيْ إِذَا شَرَعَ فِي الْإِقَامَةِ ، وَ صَرَّحَ بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ
فِيمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ بِلَفْظِ : إِذَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ ،
كَذَا فِي الْفَتْحِ ( فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ ) وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ إِلَّا الَّتِي أُقِيمَتْ :
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِيهِ مَنْعُ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي إِقَامَةِ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَتْ رَاتِبَةً أَمْ لَا ؛
لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَكْتُوبَةِ الْمَفْرُوضَةُ ، وَزَادَ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ
فِي هَذَا الْحَدِيثِ : قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ ؟ قَالَ : وَلَا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ ،
أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّفِي تَرْجَمَةِ يَحْيَى بْنِ نَصْرِ بْنِ حَاجِبٍ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ ، انْتَهَى .
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الشُّرُوعُ فِي النَّافِلَةِ عِنْدَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ
مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَغَيْرِهِمَا .
قَوْلُهُ : ( وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ بُحَيْنَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ )
أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ بُحَيْنَةَ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكِ ابْنِ بُحَيْنَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَ مُسْلِمٌ
بِلَفْظِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ
فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَاثَ بِهِ النَّاسُ ،
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
الصُّبْحَ أَرْبَعًا الصُّبْحَ أَرْبَعًا .
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ
فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ :
جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الصُّبْحَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ
قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ :
يَا فُلَانُ ، بِأَيِّ صَلَاتَيْكَ اعْتَدَدْتَ بِالَّتِي صَلَّيْتَ وَحْدَكَ أَوْ بِالَّتِي صَلَّيْتَ مَعَنَا .
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ :
كُنْتُ أُصَلِّي وَأَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ فَجَذَبَنِي نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ :
أَتُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبَعًا ؟
وَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ ،
وَقَالَ : إِنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَ الطَّبَرَانِيُّ . وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ
قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَرَأَى نَاسًا يُصَلُّونَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَقَالَ : صَلَاتَانِ مَعًا ؟ وَنَهَى أَنْ تُصَلَّيَا إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ .
وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ قَالَ :
رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَبِلَالٌ يُقِيمُ الصَّلَاةَ فَقَالَ :
أَصَلَاتَانِ مَعًا
وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ وَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَابْنُ حِبَّانَ .
وَعَنْ أَبِي مُوسَى عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْغَدَاةِ حِينَ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ يُقِيمُ ،
فَغَمَزَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنْكِبِهِ وَقَالَ :
أَلَا كَانَ هَذَا قَبْلَ هَذَا ؟
قَالَهُ الْعِرَاقِيُّ : إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ . وَعَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حِينَ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَرَأَى نَاسًا يُصَلُّونَ فَقَالَ :
أَصَلَاتَانِ مَعًا
وَفِي إِسْنَادِهِ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ .
قَوْلُهُ : ( حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى .
قَوْلُهُ : ( وَهَكَذَا رَوَى أَيُّوبُ وَوَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ وَزِيَادُ بْنُ سَعْدٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ
عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
أَيْ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةُ مِنْ أَصْحَابِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ مَرْفُوعًا
( وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍوَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَلَمْ يَرْفَعَاهُ )
بَلْ رَوَيَاهُ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ
مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ مَرْفُوعًا وَفِي آخِرِهِ .
قَالَ حَمَّادٌ : ثُمَّ لَقِيتُ عَمْرًا فَحَدَّثَنِي بِهِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ . قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ :
هَذَا الْكَلَامُ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَرَفْعِهِ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ رَفَعُوهُ
( وَالْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ أَصَحُّ عِنْدَنَا ) لِكَثْرَةِ عَدَدِ الرَّافِعِينَ فَإِنَّهُمْ خَمْسَةٌ ،
وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ .
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : الرَّفْعُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَقْفِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ .
وَإِنْ كَانَ عَدَدُ الرَّفْعِ أَقَلَّ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ أَكْثَرَ ، انْتَهَى
( رَوَاهُ عَيَّاشُ ( بِتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ ( بْنُ عَبَّاسٍ )
بِمُوَحَّدَةٍ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ ( الْقِتْبَانِيُّ ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ ( الْمِصْرِيُّ ) ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ .
قَوْلُهُ : ( وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ )
قَالَ النَّوَوِيُّ : فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ النَّهْيُ الصَّرِيحُ عَنِ افْتِتَاحِ نَافِلَةٍ بَعْدَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ
سَوَاءٌ كَانَتْ رَاتِبَةً كَسُنَّةِ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَغَيْرِهَا ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا لَمْ يَكُنْ صَلَّى رَكْعَتَيْ سُنَّةِ الصُّبْحِ صَلَّاهُمَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ
مَا لَمْ يَخْشَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ : مَا لَمْ يَخْشَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى .
وَقَالَ طَائِفَةٌ يُصَلِّيهِمَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَلَا يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ ، انْتَهَى .
قُلْتُ : فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تِسْعَةُ أَقْوَالٍ ، قَالَ الشَّوْكَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي النَّيْلِ :
قَدِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى تِسْعَةِ أَقْوَالٍ :
أَحَدُهَا : الْكَرَاهَةُ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ
عَلَى خِلَافٍ عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ ، وَمِنَ التَّابِعِينَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ
وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَطَاوُسٌ وَمُسْلِمُ بْنُ عُقَيْلٍ
وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَمِنَ الْأَئِمَّةِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ
وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ ، هَكَذَا أَطْلَقَ التِّرْمِذِيُّ الرِّوَايَةَ عَنِ الثَّوْرِيِّ ،
وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالنَّوَوِيُّتَفْصِيلًا ،
وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا خَشِيَ فَوْتَ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ دَخَلَ مَعَهُمْ وَتَرَكَ سُنَّةَ الْفَجْرِ وَإِلَّا صَلَّاهَا وَسَيَأْتِي .
الْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَلَاةُ شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ إِذَا كَانَتِ الْمَكْتُوبَةُ قَدْ قَامَتْ
مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَغَيْرِهِمَا ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ .
الْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِصَلَاةِ سُنَّةِ الصُّبْحِ وَالْإِمَامُ فِي الْفَرِيضَةِ ،
حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمُجَاهِدٍوَمَكْحُولٍ
وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ ، فَفَرَّقَ هَؤُلَاءِ بَيْنَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَغَيْرِهَا ،
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ إِلَّا رَكْعَتَيِ الصُّبْحِ .
وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَالَ : هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَا أَصْلَ لَهَا
وَفِي إِسْنَادِهَا حَجَّاجُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ وَهُمَا ضَعِيفَانِ ،
عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ ،
قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَلَا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ ؟ قَالَ : وَلَا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ ،
وَفِي إِسْنَادِهِ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ
وَاحْتَجَّ بِهِ فِي صَحِيحِهِ .
الْقَوْلُ الرَّابِعُ : التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَخَافَ
فَوْتَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ أَوْ لَا ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فَقَالَ :
إِذَا كَانَ قَدْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلْيَدْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ وَلَا يَرْكَعْهُمَا يَعْنِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ
وَإِنْ لَمْ يَدْخُلِ الْمَسْجِدَ ، فَإِنْ لَمْ يَخَفْ أَنْ يَفُوتَهُ الْإِمَامُ بِرَكْعَةٍ فَلْيَرْكَعْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ
وَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ فَلْيَدْخُلْ وَلْيُصَلِّ مَعَهُ .
الْقَوْلُ الْخَامِسُ : أَنَّهُ إِنْ خَشِيَ فَوْتَ الرَّكْعَتَيْنِ مَعًا وَأَنَّهُ لَا يُدْرِكُ الْإِمَامَ قَبْلَ رَفْعِهِ مِنَ الرُّكُوعِ
فِي الثَّانِيَةِ دَخَلَ مَعَهُ وَإِلَّا فَيَرْكَعُهُمَا يَعْنِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ ،
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ، وَحُكِيَ عَنْهُ أَيْضًا نَحْوُ قَوْلِ مَالِكٍ
وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا حَكَاهُ عَنْهُ أَصْحَابُهُ ،
وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْهُ مِثْلَ قَوْلِالْأَوْزَاعِيِّ الْآتِي ذِكْرُهُ .
الْقَوْلُ السَّادِسُ : أَنَّهُ يَرْكَعُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا أَنْ يَخَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ ،
فَأَمَّا الرَّكْعَةُ الْأُولَى فَلْيَرْكَعْ وَإِنْ فَاتَتْهُ ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ .
الْقَوْلُ السَّابِعُ : يَرْكَعُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ إِلَّا إِذَا خَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى
وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ . حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ قَوْلٌ مُخَالِفٌ
لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ .
الْقَوْلُ الثَّامِنُ : أَنَّهُ يُصَلِّيهِمَا وَإِنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْإِمَامِ إِذَا كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا
قَالَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ .
الْقَوْلُ التَّاسِعُ : أَنَّهُ إِذَا سَمِعَ الْإِقَامَةَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الدُّخُولُ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ
وَلَا فِي غَيْرِهِمَا مِنَ النَّوَافِلِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجِهِ ،
فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ عَصَى وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَنَقَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَعَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ ،
وَكَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ . وَحَكَى الْكَرَاهَةَ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ،
وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ صَلَاةُ تَطَوُّعٍ
فِي وَقْتِ إِقَامَةِ الْفَرِيضَةِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الظَّاهِرُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ الْإِقَامَةَ
الَّتِي يَقُولُهَا الْمُؤَذِّنُ عِنْدَ إِرَادَةِ الصَّلَاةِ ، وَهُوَ الْمَعْنَى الْمُتَعَارَفُ ،
قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ إِلَى الْأَذْهَانِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ ،
إِلَّا إِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِعْلَهَا ، كَمَا هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
{ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ }
فَإِنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي فِعْلِ النَّافِلَةِ عِنْدَ إِقَامَةِ الْمُؤَذِّنِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ ،
وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ فَهَلِ الْمُرَادُ بِهِ الْفَرَاغُ مِنَ الْإِقَامَةِ ؛
لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَشْرَعُ فِي فِعْلِ الصَّلَاةِ ؟ وَالْمُرَادُ شُرُوعُ الْمُؤَذِّنِ فِي الْإِقَامَةِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ ،
يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ كُلٌّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ شُرُوعُهُ فِي الْإِقَامَةِ لِيَتَهَيَّأَ الْمَأْمُومُ طلِإِدْرَاكِ التَّحْرِيمِ مَعَ الْإِمَامِ : وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ حِينَ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ يُقِيمُ ،
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، انْتَهَى مَا فِي النَّيْلِ .
قُلْتُ : الْمُرَادُ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ : إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ الْإِقَامَةُ الَّتِي يَقُولُهَا الْمُؤَذِّنُ
عِنْدَ إِرَادَةِ الصَّلَاةِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ لِرِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ بِلَفْظِ :
إِذَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَالرِّوَايَاتُ بَعْضُهَا يُفَسِّرُ بَعْضًا ،
ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْإِقَامَةِ شُرُوعُ الْمُؤَذِّنِ فِيهَا لَا الْفَرَاغُ مِنْهَا ،
يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ ابْنِ حِبَّانَ هَذِهِ ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ :
قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي وَأَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ فَجَذَبَنِي نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ ،
وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ الْمَذْكُورُ آنِفًا وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ .
وَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ الْقَوْلُ التَّاسِعُ ،
وَعَلَيْهِ يَدُلُّ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق