بسم الله الرحمن الرحيم
في العـقيدة والمنهـج ( 30 )
وأما اختلاف التضاد فهو: القولان المتنافيان: إما في الأصول, وإما في الفروع, عند الجمهور الذين يقولون: " المصيب واحد " وإلا فمن قال: " كل مجتهد مصيب " فعنده: هو من باب اختلاف التنوع, لا اختلاف التضاد, فهذا الخطب فيه أشد؛ لأن القولين يتنافيان, لكن نجد كثيراً من هؤلاء قد يكون القول الباطل الذي مع منازعه فيه حق ما, أو معه دليل يقتضي حقاً ما, فيرد الحق في الأصل هذه كله, حتى يبقى هذا مبطلاً في البعض, كما كان الأول مبطلاً في الأصل, كما رأيته لكثير من أهل السنة, في مسائل القدر والصفات والصحابة, وغيرهم.
وأما أهل البدعة: فالأمر فيهم ظاهر(1), وكما رأيته لكثير من الفقهاء, أو لأكثر المتأخرين في مسائل الفقه, وكذلك رأيت الاختلاف كثيراً بين بعض المتفقهة, وبعض المتصوفة, وبين فرق المتصوفة, ونظائره كثيرة.
ومن جعل الله له هداية ونوراً, رأى من هذا ما يتبين له به منفعة ما جاء في الكتاب والسنة: من النهي عن هذا وأشباهه, وإن كانت القلوب الصحيحة تنكر هذا ابتداءً, لكن نور على نور.
وهذا القسم ـ الذي سميناه (2) قسم التنوع ـ كل واحد من المختلفين مصيب بلا تردد. لكن الذم واقع على من بغى على الآخر فيه, وقد دل القرآن على حمد كل واحدة من الطائفتين في مثل ذلك ـ إذا لم يحصل بغي ـ كما في قوله : { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ }[سورة الحشر, الآية: 5].
وقد كانوا اختلفوا في قطع الأشجار, فقطع قوم وترك آخرون, وكما في قوله : { وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}[ سورة الأنبياء, الآيتان:78 , 79]. فخص سليمان بالفهم, وأثنى عليهما بالعلم والحكم.
وكما في إقرار النبي صلى الله عليه وسلم, يوم بني قريظة لمن صلى العصر, ولمن أخرها إلى أن وصل إلى بني قريظة(3).
وكما في قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فيه أجران, وإذا أجتهد فأخطأ فله أجر)(4) ونظائره كثيرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أي أن أهل البدع ظاهر بطلان قولهم ونزاعهم, لقيام الحجة عليهم بالكتاب والسنة وليس معهم من الحق ما يلزم الخصم بالاعتراف لهم بالحق.
(2) الكلام لشيخ الإسلام .
(3) وذلك إشارة للحديث المتفق عليه من النبي صلى الله عليه وسلم, وهو قوله: ( لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريضة) فبعض الصحابة صلى في الطريق الصلاة في وقتها, وآخرون أخروها حتى وصلوا إلى بني قريظة بعد فوات العصر, فأقرهم الرسول صلى الله عليه وسلم جميعاً. وفي مسلم ( الظهر ) بدل العصر. أنظر: البخاري, كتاب الخوف, باب صلاة الطالب والمطلوب راكباً وإيماء, في فتح الباري, حديث رقم ( 946) 2/436, وطرف الحديث رقم ( 4119)؛ وصحيح مسلم, كتاب الجهاد والسير, باب المبادرة بالغزو, حديث رقم ( 1770) 3/1391.
(4) الحديث متفق عليه بلفظ: ( إذا حكم الحاكم فأجتهد ثم أصاب فله أجران, وإذا حكم فأجتهد ثم أخطأ فيه أجر ). أنظر: صحيح البخاري, كتاب الاعتصام, باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطاء, الحديث رقم( 7352), في فتح الباري 13/ 318.
http://www.wasateah.com/publish/article_462.php
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق