الأحد، 8 مايو 2011

[الفلسطينية] مقال : تولية غير الأكفاء.. خيانة وغباء

تولية غير الأكفاء.. خيانة وغباء

 

د. خالد الخالدي

رئيس مركز التأريخ والتوثيق الفلسطيني بغزة

 

 

أهم أسباب التردي الذي يشهده معظم العالم العربي والإسلامي اليوم، هو وضع غير الأكفاء في مواقع ومناصب مهمة، فقد أصبحت المعايير والمؤهلات التي يُختار على أساسها المسئولون هي ضعف الشخصية، والجبن، والقدرة على النفاق، والتزلف، والمدح، والاستعداد للخضوع لصاحب المسئولية الأعلى، والجاهزية لقبول إهاناته، وهي معايير ومؤهلات يبحث عنها المغرورون المتكبرون، غير المخلصين، الذين لا يرتاحون إلا بالركوب على أكتاف من يولونهم، ولا يرغبون في اختيار مسئولين أقوياء ينافسونهم، ولا يحبون النصيحة، ولا النقد، ولا المعارضة، ولا يهمهم مصلحة أمة، أو تقدم دولة، أو تطور مؤسسة، ولا همَّ لهم إلا أنفسهم و ذواتهم ومصالحهم.

 

وهؤلاء المسئولون الذين يؤتمنون فيأتون للأمة بالضعاف وغير الأكفاء خائنون لله ولرسوله وللمؤمنين، إذ يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) :" من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولى عليهم رجلاً، وهو يعلم أن فيهم من هو خير منه، فقد خان الله ورسوله".

 

وهم أغبياء لأنهم يضرون أنفسهم ورعيتهم، إذ لا يستطيعون بالضعاف والفاسدين تحقيق العدالة والتطور والإبداع والإنجازات التي تحبب فيهم الرعية، فينتشر الظلم، ويعم الفساد، وتكثر الشكاوى، ويزداد التذمر، وينتفض الناس على هؤلاء المسئولين ومن جاء بهم، فيخلعونهم، ويطيحون بهم، ويتخلصون منهم، ويلعنونهم حتى بعد موتهم.

 

والمتأمل في تاريخنا يكتشف أن أهم أسباب نجاح الناجحين من خلفائنا وحكامنا هو حرصهم على اختيار الولاة والمسئولين الأكفاء، الذين يجمعون بين القوة والأمانة، فمثلاً اختار أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- خالد بن الوليد قائداً عسكرياً، فهزم إمبراطوريتي الفرس والروم، واختار عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أبا عبيدة بن الجراح قائداً لجيوش الشام ففتحها وحرر القدس، واختار الوليد بن عبد الملك موسى بن نصير والياً على المغرب فأتم فتحها وفتح الأندلس.

 

ويكتشف أن أتعس مراحل تاريخ الأمة كانت في زمن الحكام الذين أساءوا اختيار الولاة والمسئولين، إذ وصل الهوى بهؤلاء إلى حد تولية اليهود والنصارى على رقاب المسلمين، لكي لا تشره نفوسهم لمنافستهم على كراسي الحكم، فقد ولّى حاكم غرناطة في زمن ملوك الطوائف حبوس بن ماكسن، اليهودي إسماعيل بن نغدلة، وجعله كبير وزرائه، إذ يقول ابن عذاري: "وقد أصبح هذا اليهودي لحبوس على وزرائه، وكتابته، وسائر أعماله، ورفعه فوق كل منزلة"، حتى صار بعض جبناء المسلمين الذين لا يخلو منهم زمان، ينافقونه، "حتى كان يغسل يده من القُبل، وَيُتَمَدَّحُ بالطعنِ على المِلل"، واستهان بمشاعر المسلمين، وتجرأ على دينهم، "وأقسم أن ينظم جميع القرآن في أشعار وموشحات يُغَنّى بها". وعين عدداً كبيراً من اليهود في مناصب مهمة، وجعلهم جباة للضرائب من المسلمين، حتى قال الشاعر الحسن بن الجد:

وتاهت بالبغال وبالسروج              تحكمت اليهود على الفروج

وصار الحكم فينا للعلوج               وقامت دولة الأنذال فينا

زمانك إن عزمت على الخروج الخروج الخروج  فقل للأعور الدجال هذا

 

وعندما توفي اليهودي إسماعيل خلفه على منصبه ابنه يوسف، فكان أسوأ على المسلمين من أبيه، حتى أنه عزم على إقامة دولة يهودية في الأندلس، فتآمر في عهد حاكم غرناطة الجديد باديس بن حبوس، مع ابن صمادح حاكم المرية، واتفق معه على تسليمه غرناطة مقابل أن يسلمه ابن صمادح مدينة المرية الساحلية، ليقيم فيها لليهود دولة، وعندما نما الخبر إلى العالم الشاعر أبي إسحاق الألبيري، كتب قصيدة طويلة يحرض فيها الناس على يوسف بن نغدلة، ونشرها في غرناطة، جاء فيها:

 

وأجرى إليها نمير العيون             ورخَّم قردهم داره

ونحن على بابه قائمون                وصارت حوائجنا عنده

فإنا إلى ربنا راجعون                   ويضحك منا ومن ديننا

كمالك كنتُ من الصادقين             ولو قلتُ في ماله إنه

وضحِّ به فهو كبش سمين               فبادر إلى ذبحه قربة

 

فانتفض المسلمون على ظلم ابن نغدلة، وهاجموا قصر الحاكم، وتمكنوا من قتل الوزير اليهودي، وقتل الآلاف من اليهود المتجبرين، ولم يتعلم باديس من خطئه، فعين بدلاً منه نصرانياً، فأغضب ذلك المسلمين، وكتب شاعر يدعى السميسير ثلاثة أبيات، نشرها في شوارع غرناطة، قال فيها:

بُدِّل البول بالخرا  كلّ يوم إلى ورا

وزماناً تنصّرا  فزماناً تهوُّداً

إنِ الشيخ عُمِّرا  وسيصبو إلى المجوس

 

--
=================================
**** الشبكة الفلسطينية للصحافة والإعلام ****
*** The Palestinian Network for Press and Information ***
للـنـشــــر : ‏groupnasr@googlegroups.com
للمراسلة: nasrpress@Hotmail.com
الأرشيف الصحفي: http://groups.google.com/group/groupnasr
=================================
زملائنا الكرام // الشبكة الفلسطينية للصحافة والإعلام توجه تحية وتقدير لكافة أبناء الشعب
الفلسطينى وقياداته العظيمة لما بذلوه من انجاح للمصالحة الوطنية - ويدا بيد وطنا واحد
=================================
اخلاء مسؤولية: جميع المشاركات في الشبكة تعبر فقط عن رأي مرسلها
فنحن لا نتبنى اي طرح سياسي و ما يرد علينا ننشره و لا يعبر بالضرورة عن وجهة نظرنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق