السبت، 7 مايو 2011

[الفلسطينية] كأنها نشيد الإنشاد الفلسطيني


مغناة أريحا للشاعر محمود أبو الهيجا تلحين الموسيقار سمير مخول : كأنها نشيد الإنشاد الفلسطيني

 

فيصل قرقطي

 

 

 

 

تتعالى أصوات وحشود كأنها آتية من كوكب آخر، لتكتشف أنك ماض إلى البعيد البعيد.. في ذاكرة الإنسان الأول.. وفي ذاكرة المكان الأول .
من هنا تنزّ حقب التاريخ في ذاكرة تنثال عليك، لا لتؤسس مطارحَ فيك، أو في روحك، بقدر ما تأخذك إليها بقضك وقضيضك... وذلك عبر الكلام البسيط الذي يجنح فيك وتطير معه إلى الميلاد الأول لـ "أريحا"، تلك المدينة التي هي في عرف التاريخ مدينة عجوز، لكنها مع هذا العمل الإبداعي "مغناة أريحا" نص للشاعر الصديق محمود أبو الهيجا، وألحان الموسيقار سمير مخول، ابن البقيعة ـ الناصرة، من خلال هذا العمل الفذ، تحس بأنها أولاً هي أريحاك.. وهي اليافعة.. كامرأة بكامل زيزفونها.. وهي البنت المراهقة التي ترخي جدائلها على كل العصور.. لتقول لك: هأنذا بكل رائحة التمر في الفم.. وبكل رائحة العسل في العينين.. بكل بهاء مجد التاريخ.. بكل إيناعي في ظل عتمة الكهوف.. وبكل صفائي وبهائي، ها أنذا أنا تاريخ الإنسان.. واللغة... وعفة ناي المغني.. وروح الشعر الصافي في حنايا وجد التاريخ إلى تفاصيل الحب واللغة.. والجسد، هأنذا أتجسّد بكل قامتي على أعتاب الفجر الأول للغة.. والتاريخ لتكتمل في الجغرافيا .
"مغناة أريحا" ولدت من المكتنز الطبيعي لها الذي تولد منه، وذهبت بين قصب الذرة، بنت في عز عنفوانها لتستقبل قبلة من حبيبها الكنعاني الأول.. الأول ذاك الشاب الذي حاول ويحاول منذ قرون خلت أن يحيي البحر الميت.
إذن هي أريحا.. المرأة التي تتأصل أكثر في نسيج اللحمة الفلسطينية كأنها نشيد الإنشاد الفلسطيني.. وهو يقاوم كل ما / ومن يحاول أن يمحي وجوده .
هي آتية من بكر التاريخ.. ومن بكر الحضارات.. ومن بكر اللغة.. ومن بكر الموسيقى أيضاً .
تتنبأ بما هو كائن لغة.. ولحناً وتتنبأ بما سيكون أيضاً .
آتية تتعمد في نشيدها المر.. الجارح ولتلطخ وجه هذا الزمن العربي الذي لم يستوعب أبداً رقتها وعذوبتها في التفاخر الأصيل بعفة ماء زعفران التاريخ.
"مغناة أريحا" تشكل في أحد جوانبها الإبداعية لغةً ولحناً "نشيد الإنشاد" الفلسطيني.. الذي وبهذا المعنى، من الممكن إعادة تصويب الخطأ التاريخي الذي تم في نهب التوراة.. الممكن إعادة إنتاجه على نحو مغاير وأقصد هنا بالمغاير إعادة إنتاجه على حقيقته في التوراة الكنعانية. التي هي أساساً التاريخ الوطني للكنعانيين، "حسبما ذكر ايلي ميديكو كبير كهنة أوغاريت من أن التوراة هي عبارة عن التاريخ الوطني للكنعانيين.. أجدادنا نحن الفلسطينيين بامتياز.
إن "مغناة أريحا "تصعد بنا من نداءات الآلهة.. إلى أعالي نداءات البتول وهذا يتجسد في اللحن الموسيقي.. أكثر مما يتجسد في الكلمات.. الكلمات تلك التي أشعلت روح الموسيقى لتاريخ حكمتها، في لحن يجسد كل معاني الإبداع.. طاحناً كل العصور الموسيقية.. وخارجاً بنتيجة صافية عن معنى ترجمة التاريخ.. وأبعاده الإنسانية .. والتاريخية والنفسية... وبساطته. تتزاوج فيها رائحة التاريخ بكل قبابه.. وبساطته.. وأصالته وتفاصيله على أنه تاريخ خالد لشمع، ما يني يحفر في الصخر ثيمات تاريخه واستقلاله وانتصاره .
الموسيقار سمير استطاع من خلال التعامل مع توظيفات فنية عالية، تعامل معها.. مثلما لا تعتمد في تأصيلها اللحني.. كذلك على نبوغ حكمة "زرياب".. لكنها ذهبت أبعد من ذلك بكثير، إذ إنها انفلتت كلمات ولحناً من المتعارف السائد.. إلى حدود التاريخ وما يفهم منه كروح.. وثيمات.. وإيحاء.
فنص الشاعر لا يتأسس على بنية معرفية وحسب لجهة المكان وهو "أريحا" كما أن محددات وله العشق الطفولي لا ترتبط بأريحا وحسب.. إنما هي وله الملامح الخاصة الآن؟
بقدر ما يتأسس على روح المكان هذا.. وما تبعثه هذه الروح من نفح المكان. لنا قراءة هذه الروح من منظرات تاريخية.. هو ليس شاعر تغزل في أريحا المكان.. لكنه استحضر الروح الجوانية لأريحا عبر التاريخ الزماني والمكاني لهذه المدينة الفذة، أو لأقل شيخة المدن بإطلاق .
ومحمود أبو الهيجا؛ كشاعر حميم.. لا يتعامل مع الآني أو مع المستهلك من القول.. إنه يحاول دائماً في كل نص جديد له أن يجترح خصوصية ما لهذا النص تشبهه هو.. أي بمعنى أنه قابل للتجدد والتطور في كل برهة إبداعية يعيشها في حياته اليومية.
لكنه مع نصه في "مغناة أريحا" انفلت من القيود كلها ليصل في تجربته الشعرية إلى ملعب جديد ومغاير للسائد.
وهذا الملعب عنوانه يتلخص في أنه كيف يمكن لشاعر أن يتخلص من الوزن العروضي.. أو التفعيلي للشعر وينجح في كتابة قصيدة جديدة ؟ وتلحن أيضاً ؟
هذا الأمر يستحق وقفة نقدية معمقة سنستكملها فيما بعد.
ينطلق أول الكلام من الحاضر.. تلميحاً. عبر رحلة شائقة مع التاريخ. تلميحاً.. وتجسيداً ليصل بنا إلى المكانة الرفيعة التي احتلتها هذه المدينة "أريحا"، إنه لا يعطيها صوراً وبهجات إبداعية من نسج خياله، بقدر ما يحفر في تاريخها المعرفي عن وجودها وتفاصيلها وتاريخها.
كل هذا يصوغه الشاعر وفق شعرية جديدة أستطيع أن أسميها شعرية ما فوق قصيدة النثر.. وما تحت قصيدة التفعيلة ؟ لأنها محكومة بقول جديد يحمل في ثناياه موسيقاه الخاصة به ووزنه اللحني الموسيقي الخاص به أيضاً .
"مغناة أريحا" هذه. أعتقد أن التاريخ سيكتب عنها ما عجزت عن كتابته الآن، لا لأنني لا أعرف نقدياً مكنوناتها.. بل لأن المتلقي لا يحفل في جديدنا الفلسطيني المتميز على نحو يتساوق مع فناني وشعراء زمن الوجبات الفنية السريعة


  
 
Mohammad  Azmoty
Head of Media Section
Palestine - Jericho Municipality
Tel;009722322417
Mobile:00972-599317869 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق