بسم الله الرحمن الرحيم
في العـقيدة والمنهـج ( 33 )
إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الافتراق والأهواء والبدع, وتحذيره من ذلك:
أما أخبار النبي r عن وقوع الأمة في الافتراق والأهواء وتحذيره من ذلك: فهو مشهور متواتر, فمن ذلك:
1- ما خرجاه في الصحيحين: عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله r : ( لتتبعنَّ سنن من كان قبلكم حذو القذة(1) بالقذة, حتى لو دخلوا جحر ضبٍّ لدخلتموه, قالوا: يا رسول الله, اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟!)(2).
2- وروى البخاري في صحيحة عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي r قال: ( لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون, شبراً بشبر, وذراعاً بذراع). فقيل: يا رسول الله, كفارس والروم؟ قال: ومن الناس إلا أولئك؟)(3).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فأخبر أنه سيكون في أمته مضاهاة لليهود والنصارى, وهم أهل الكتاب, ومضاهاة للفرس والروم, وهم الأعاجم.
وقد كان r ينهى عن التشبه بهؤلاء وهؤلاء, وليس هذا إخباراً عن جميع الأمة, بل قد تواتر عنه: ( أنه لا تزال طائفة من أمته ظاهرة على الحق, حتى تقوم الساعة(4))(5).
3- وعن عبدالله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول r : ( ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل, حذو النعل بالنعل, حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية, لكان في أمتي من يصنع ذلك, وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة, وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة, كلهم في النار إلا واحدة). قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ( ما أنا عليه(6) وأصحابي ). رواه أبو عيسى الترمذي, وقال: " هذا حديث غريب مفسر, لا نعرف مثل هذا إلا من هذه الوجه"(7).
قال شيخ الإسلام: " وهذا الافتراق مشهور عن النبي r, من حديث أبي هريرة, وسعد, ومعاوية, وعمرو بن عوف, وغيرهم. وإنما ذكرت حديث ابن عمرو لما فيه من ذكر المشابهة"(8).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) القذة: بالضم ريشة السهم. وقوله: حذو القذة بالقذة.. كناية عن التشابه والتتابع. ويُضرب مثلاً للشيئين يستويان ولا يتفاوتان. لسان العرب 4/503 قذذ.
(2) هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة المستفيضة في الصحاح والسنن والمسانيد. وقد أخرجاه في الصحيحين من طرق وألفاظ متعددة, ولفظ الصحيحين المتفق عليه عن أبي سعيد الخدري هو: ( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع) الحديث بتمامه مع اختلاف يسير في الألفاظ. انظر: صحيح البخاري, كتاب الاعتصام, باب قول النبي r: ( لتتبعن سنن من كان قبلكم ) الحديث رقم (7320), من فتح الباري 13/300؛ وصحيح مسلم, كتاب العلم, باب اتباع سنن اليهود والنصارى, الحديث رقم ( 2669 ) 4/2054. أما لفظ: " حذو القذة بالقذة", فقد أخرجه أحمد في المسند 4/125؛ وذكره ابن الأثير في جامع الأصول عن رزين, أنظر: جامع الأصول 10/34.
(3) صحيح البخاري, كتاب الاعتصام, باب قول النبي r: ( لتتبعن سنن من كان قبلكم ) الحديث رقم ( 7319 ) من فتح الباري 13/300.
(4) جاء ذلك في أحاديث صحيحة ومستفيضة عن رسول الله r , فقد أخرجها البخاري ومسلم؛ وابن ماجة؛ والحاكم في مستدركه؛ وأحمد في المسند؛ والترمذي وغيرهم كثير. وأكتفي بالإشارة إلى الأحاديث في الصحيحين, فقد أخرجها البخاري في كتاب المناقب, الباب (27), الحديث رقم ( 3640 ) من فتح الباري6/632؛ ومسلم في كتاب الإمارة, باب: لا تزال طائفة...الحديث(1920)(1921).
(5) اقتضاء الصراط1/169 مع الهوامش.
(6) في مستدرك الحاكم ( ما أنا عليه اليوم )1/128.
(7) رواه الترمذي في كتاب الإيمان, باب ما جاء في افتراق هذه الأمة, حديث رقم(2641)5/25-26.وأخرجه أيضاً بهذا اللفظ الحاكم في المستدرك, كتاب العلم1/128-129, مع اختلاف يسير بالألفاظ, والسند واحد. وفيه عبدالرحمن بن زياد ضعيف.
(8) أقتضاء الصراط المستقيم 1/120.
--
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق