رمضان تربية أم انهيار !؟ .
كتبه : تحسين يحيى أبو عاصي
هذا المقال كتبته في رمضان السابق ، وبعد نشره جاءتني ردود إيجابية ، لذلك حرصت على نشره مجددا مع بعض التعديلات الخفيفة ...
كم أسرة مسكينة في شهر رمضان الكريم جلست على مائدة الإفطار بدموعها ؟ ، كم حالة قتل حدثت قبل وقت الإفطار بقليل أدت إلى يتم الأطفال وترمل النساء ؟ ، وكم حادث سير وقع بين السائقين ؛ فتسبب بأضرار مادية كبيرة بسبب ضغط الصيام مع الجهل في الدين ؟، وكم جار تشاجر مع جاره ، وبائع مع تاجر، وراكب مع سائق ، ومراجع مع موظف ؟ ، كل واحد من هؤلاء ، ولا طاقة لهم على التحمل ، وسرعان ما أن يغضبوا ولأتفه الأسباب ، يضربون أطفالهم ويؤذون نساءهم ، فتجد المرأة المسحوقة والمغلوب على أمرها تعد طعام الإفطار، ودموعها تسيل على خديها من إيذاء زوجها لها ولأطفالها لأنه صائم ، فهي الجارية الخادمة التي تئن من ظلم زوجها أو ابنها الصائم ، ولا تشكو همها لأحد أبدا ، إنما تفوض أمرها إلى الله ، ونسي هؤلاء أن الله يقول : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)
كل ذلك وأمثلة أخرى كثيرة تقشعر لها الأبدان ، أتى على خلفية صيام لا دين ولا تقوى ولا أخلاق فيه ؛ لأن هؤلاء لم تتحقق فيهم معاني التقوى ، فعندما خاطبهم الحق سبحانه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة: 183 ). كان الواحد من هؤلاء كالذي يحمل أثقالا لتدريبه فسرعان ما انهار أمامها ، أو كالذي يدخل على اختبار من غير تهيئة ولا إعداد فرسب به ، فكم صائم ليس له من صومه غير الجوع والعطش .... وكم قارئ للقرآن والقرآن يلعنه ، وكم مصل لا صلاة له .
كان الصوم عند هؤلاء مجرد شعيرة لم يحيطوا بها خُبرا بمعانيها ، فربما لو أفطروا ثم تصدقوا بدل إفطارهم ، لكان خيرا لهم ولمجتمعهم ولأسرهم التي ذاقت منهم وبال عبادتهم الجوفاء ، والخالية من معاني وأخلاق وفوائد الصيام ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) .
إن الله لا يريد لعبادة عبادة يعاني من ورائها الأطفال والنساء والشيوخ ( لا يريد بكم العسر ) ، ويعاني منها المجتمع بأسره حيث مكوناته الأسرية ، وإن الله أرحم على عبده من المرأة على وليدها . وكم كان خيرا عظيما عندما اجتمع علماء العالم وأصدروا فتوى شرعية تقضي بضرورة تمديد رمي جمرة العقبة لأوقات أخرى ، عل خلاف الهدي النبوي الشريف ؛ وذلك بسبب قتل المئات من حجاج الرحمن في كل عام ، أثناء اندفاعهم عند رمي الجمار ، مما يؤكد الفهم الحقيقي لروح هذا الدين وسماحته وسعته ، لا تحجيره وتضييقه على أيدي أهله ، وذلك حرصا على الأمة ودرأً للأضرار والمفاسد وجلبا للمنافع .
لا يفهمني هنا جاهل أنني أدعو العلماء لإصدار فتوى تجيز إفطار المتهورين ومن لا أخلاق لهم في شهر رمضان ، بل إنني أدعو إلى فهم روح ديننا السمحة السلسة ، التي تصلح لكل زمان ومكان إذا فقهوا .
لقد غاب عن قلوب هؤلاء نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عندما تنزل عليه القرآن ( واستعينوا بالصّبر والصّلاة ) ، كما غاب عن قلوبهم أن لرمضان بعدا تربويا واجتماعيا يجب تحقيقه بأثر التقوى .
يقول الإمام علي كرم الله وجهه ورضي الله عنه أنّ: (صوم القلب خير من صيام اللسان، وصيام اللسان خير من صيام البطن) .
وتنقل كتب السيرة بانّ الرسول(صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) ، دعا لامرأة بطعام وقال لها: كلي فقالت: أنا صائمة يا رسول الله فقال: كيف تكوني صائمة وقد سببت جارتك؟!.
يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في خطبته الشريفة المشهورة: (أيّها الناس من حسّن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جوازاً على الصّراط يوم تزلّ فيه الأقدام).
(ومن كفّ فيه شرّه، كفّ الله غضبه عنه يوم يلقاه)، (ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه)، (ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه).
ويقول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : (ومن تلا فيه آية من القرآن كان له أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور) ، والروايات تؤكد بانّ قراءة القرآن هي أفضل أعمال رمضان.. وانّ لكلّ شيء ربيع، وربيع القرآن شهر رمضان .
ويقول احد الصالحين : (إذا أصبحت صائماً فليصم سمعك وبصرك من الحرام، وجارحتك وجميع أعضائك من القبيح ، ودع عنك الهذى والأذى .
والصيام جنة ، قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل فإن شاتمه أحد أو قاتله ، فليقل: إني صائم ، إني صائم ، والذي نفس محمد بيده لخُلُوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه. فهل لمن يضرب ويقتل ويؤذي ويقبّح ويثور فرحتين ، وهل بهذه الأخلاق سيكون بجوار الحبيب محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، وهل سيجتاز الصراط ؟؟؟ .
قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
قال النبي : من لم يدع قول الزور والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه .
وقال : الصوم جنة ، فإذا كان صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يجهل ، فإن سابه أحد فيقل: أني امرؤ صائم .
بمثل هذه الأخلاق تحقق لأمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم التمكين في الأرض ، وتحقق لها العزة والكرامة والنصر، يوم أن فقهت روح الإسلام وتعاليمه الرحيمة السمحة ، بعيدا عن القولبة الجامدة ، والتيبُّس في العقول ، والتحجر في التفكير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق