خزاعة الوادعة
سامية الزبيدي
سويعات أضافت الكثير من المتعة والسعادة لحياتي المشدودة بتوتر كبير في الآونة الأخيرة، كنت في عمل، إلا أن العمل تحول إلى رحلة، تخليت فيها عن موضوعيتي، وانحزت بالكامل للمكان والزمان وأصحابه.
الوصول للمكان، سهل ممتنع، في قطاع متشابه إلى حد كبير بشوارعه، وبيوته، وناسه أيضاً، شارع وحيد رئيس يخترق جوف ثلاثة قرى متشابكة، لا يعرف متى خرجت من الأولى، ودخلت في الثانية إلا أصحابها.
المكان رسم نفسه في مخيلتي كلوحة تأبى الرحيل منذ أيام، بيوت لا تختلف في معظمها عما عهدته منذ انتقالنا للسكن في مخيم جباليا للاجئين وأنا في السادسة من عمري، الا من بعض المنازل الفخمة التي تعود لبعض الملاك الميسورين هناك.
الشوارع كانت نظيفة جدا، حركة الناس خفيفة، والباعة جالسون في معظمهم أمام محالهم يغالبون نعاسهم بنرجيلة هنا، وبحديث جانبي هناك، بينما الأعلام الخضراء، وبضع من الأعلام الحمراء، ترفرف فوق أعمدة الكهرباء بالقرى الثلاث، احتفظ سكان المكان لأنفسهم بالسيادة على منازلهم ورفع معظمهم الأعلام الصفراء.
بني سهيلا، عبسان الكبيرة، خزاعة...خزاعة الحدودية..الجميلة..الوادعة..بخضرة أشجارها التي تملأ شوارعها، وباحات منازلها، واتساع أرضها، بصفرة سنابل قمحها المنتشرة على مساحات كبيرة منها، بطيبة ناسها، وحسن ضيافتهم، في خزاعة عرفت وجهاً آخر لغزة الكئيبة..اللئيمة في غالب الأحيان.
إبراهيم أبو ريدة، كان دليلي للمكان الذي أزوره للمرة الأولى، حماسه المتدفق من عينيه، ورغبته المندفعة نحو الحياة والنجاح، كانتا الصفتان اللتان راقتا لي فيه منذ عرفته، الحيوية والنشاط والرغبة بالعمل والانجاز التي يتمتع بهم إبراهيم، هي صفات لم أكن ألحظها بكثرة في الشباب قبل 15 من آذار.
كان في انتظاري على مفترق بني سهيلا شرق محافظة خانيونس، مصطحبا اياي للتنقيب عن أوضاع المزارعات في المناطق الحدودية بناء على تنسيق مسبق في إطار تحقيق أعده حول الموضوع لمجلة ينابيع الصادرة عن جمعية المرأة العاملة للتنمية، متنقلا بي من منزل خالته المزارعة، شبيهتي بالاسم الأول سامية النجار، إلى أخريات حتى وصولنا إلى أقصى ما يمكن أن نصل إليه على الحدود المختطفة برسم الاحتلال وبما يحفظ سلامتنا معاً.
قابلت هناك روحية، وعزيزة، ومعزوزة، ورسمية قديح، وغيرهن الكثير من النساء العاملات هناك في حصد محصول القمح، أو زراعة الكوسا، أو التعشيب وغيره من المهمات الزراعية..كانت علامات الشقاء مرسومة على قسمات محياهن الدائم الابتسام، شقاء الكد والتعب اليومي حتى لم تعد تميز العمر الحقيقي لهن.
تحدثنا مطولاً عما يزرعن، وكيف يوفرن كل أشكال الراحة لأسرهن من مأكل ومشرب وملبس داخل المنزل، ويشاركن في الوقت نفسه أزواجهن وأبناءهن في قطف رزق عائلاتهن في صمت.
ما أثار رغبتي بالكتابة عنهن وعن خزاعة، هذا الكم اللافت من الشجاعة والجرأة والقوة التي يتمتعن بها، فجميع هؤلاء النساء على رغم أن لكل واحدة منهن حكايتها الخاصة، كن يتمتعن بعيون تفيض تحدي واصرار، وابتسامة أمل لم تمحوها قسوة الحياة القروية، ولا حتى ارهاب الاحتلال.
كان فيهن من البساطة والعفوية ما يأسر قلبك بخزاعة وبناتها، لا يعرفن للكلفة طريقاً، يرحبن بك ببشاشة وكأنهن يعرفنك منذ الخليقة، يشرحن عن أنفسهن باستفاضة وبلا تكلف أو دوران.
يملكن وعي، وجرأة فطرية، لم تلوثها بعد شهوات العصر ومتطلباته، قانعات، راضيات، لا يطمحهن الا لـ"الستر"، الستر المادي، والستر العاطفي..لقمة هنية، وعيشة رضية.
وعلى رغم أن أراضي خزاعة في معظمها ملك لعائلات قديح ، والنجار ، وأبو ريدة ، والقرا الا أن غالبيتهم يعيشون حياة بسيطة تعتمد في استمراريتها على الزراعة، فهم يعتبرون أن الأرض والعرض خطين أحمرين لا يمكن الاقتراب أو التنازل عنهما، على رغم أن قدرة الزراعة على تأمين دخل ثابت للمزارعين تضاءلت بفعل الاعتداءات الصهيونية المتكررة، والحصار المستمر على القطاع منذ أكثر من خمسة سنوات.
وإطلالة سريعة على ما تملك معظم العائلات هناك من أطيان زراعية يدلل أن سكان خزاعة والمناطق الشرقية قادرين على الحياة بترف ان ارادوا، لكنهم فضلوا الفقر والعوز على التفريط بالأرض والقمح والزيتون.
لماذا أكتب عن خزاعة بالذات، فكل ما ذكرت صفات وأوضاع تنطبق على قرى عدة بالقطاع؟ صحيح لكن خزاعة في نظري كانت مختلفة، مختلفة بجمالها، بقوة نساءها، بجرأة أطفالها، بحرارة عواطف ناسها، بقدرتهم على الصمود في مكان مستهدف في كل لحظة..خزاعة تستحق أن نراها، نزورها، نكتب عنها بطريقة لا تخدش براءتها، وعفتها، وروعتها..لا تنتهك حقها في ممارسة الحياة بصمت.
=================================
**** الشبكة الفلسطينية للصحافة والإعلام ****
*** The Palestinian Network for Press and Information ***
للـنـشــــر : groupnasr@googlegroups.com
للمراسلة: nasrpress@Hotmail.com
الأرشيف الصحفي: http://groups.google.com/group/groupnasr
=================================
زملائنا الكرام // الشبكة الفلسطينية للصحافة والإعلام توجه تحية وتقدير لكافة أبناء الشعب
الفلسطينى فى الداخل والخارج والشتات وقياداته العظيمة فى ذكرى نكبة فلسطين وتدعو الله
أن يعود أبناء الشعب الفلسطينى لوطنهم بعدما هًجروا منه قسرا من قبل الاحتلال الإسرائيلى
=================================
اخلاء مسؤولية: جميع المشاركات في الشبكة تعبر فقط عن رأي مرسلها
فنحن لا نتبنى اي طرح سياسي و ما يرد علينا ننشره و لا يعبر بالضرورة عن وجهة نظرنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق