واشنطن- أعلنت الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم (NAS)، ومقرها واشنطن، فوز الدكتور إسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية، بميدالية خدمة الصالح العام، وذلك اعترافًا بجهوده الرامية إلى إحياء دور العلوم في العالميْن العربي والإسلامي. وتعد ميدالية خدمة الصالح العام من أبرز الجوائز التي تقدمها الأكاديمية منذ عام 1914، تقديرًا للاستخدام المبتكر للعلوم في خدمة الصالح العام.
ويُعرف الدكتور سراج الدين - مصري الجنسية - بدعمه الدائم لمبدأ تحقيق المساواة بين الجميع في العلوم والمجتمع بصفه عامة، وهي نفس الرسالة التي تؤمن بها الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم. وبهذه المناسبة قال جون براومان؛ السكرتير التنفيذي للأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم ورئيس لجنة اختيار الفائزين بالجائزة: "قررنا تكريم سراج الدين لدوره البارز في العديد من المواقع، آخرها مكتبة الإسكندرية". وأضاف براومان: "وقد عُرف سراج الدين أيضًا بريادته في مجال تسخير العلوم لتحقيق التنمية المستدامة، وإيمانه بضرورة تحرير العقول من طغيان التعصب الأعمى والخوف".
وتجدر الإشارة إلى أن سراج الدين حاصل على وسام الشرف الوطني الفرنسي برتبة فارس، وكان عضوًا بمجلس الشورى المصري، وهو رئيس المجلس التنفيذي للمكتبة الرقمية العالمية (WDL)، وأستاذ للكرسي الدولي "المعرفة في مواجهة الفقر" في كولاج دي فرانس. كما حصل على ثلاثين درجة دكتوراه فخرية من مختلف جامعات العالم. وقد بدأ سراج الدين مسيرته الأكاديمية عقب حصوله على الدكتوراة في التخطيط العمراني والحضري من جامعة هارفارد. وفي عام 1972 عمل بالبنك الدولي، حيث تولَّى العديد من المناصب، منها: نائب المدير لشئون التنمية البيئية والاجتماعية المستدامة (1992-1998)، ونائب المدير للمشروعات الخاصة (1998-2000).
وطوال مسيرته المهنية، تميز سراج الدين بحرصه على تطبيق العلوم لحل جميع المشاكل التي تواجه المجتمع الدولي، حيث يعد سعيه الحثيث لمكافحة الفقر في الدول النامية من خلال دعم الزراعة المستدامة من أهم إنجازاته على هذا الصعيد. وخلال رئاسته للمجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية (CGIAR) (1994- 2000)، سعى إلى توفير الغذاء لسكان العالم الذين يتوقع زيادة تعدادهم لما يقرب مليارين ونصف مليار نسمة خلال العقود الأربعة القادمة.
ويشغل سراج الدين حاليًّا منصب مدير مكتبة الإسكندرية، هذا الصرح الثقافي والفكري الذي أُعيد بناؤه عام 2002 بالقرب من موقع مكتبة الإسكندرية القديمة، التي كانت منارة للعلم والمعرفة منذ عام 288 ق. م. وحتى حوالي 400 م حين دُمرت بالكامل. وقد لعب سراج الدين دورًا محوريًّا في بناء المكتبة لتعيد إحياء التراث العظيم للمكتبة القديمة الذي تميز به العالمان العربي والإسلامي.
يرى سراج الدين أن معظم البلاد الإسلامية مازالت متأخرة في مجال الاستثمار في العلوم، وإصداراتها العلمية أقل بدرجة ملحوظة من بلاد أخرى بنفس الوضع الاقتصادي، وذلك على الرغم من التطور الواضح في المنشآت البحثية في منطقة الخليج العربي. ويُرجع سراج الدين ذلك إلى "ازدياد المناخ الاجتماعي المتعصب"، حيث تصطدم المؤسسات العلمية بظروف غير ملائمة للعلوم، ومنها معارضو نظرية التطور في الولايات المتحدة، والجماعات الإسلامية المتطرفة في الشرق الأوسط.
في افتتاحية مجلة "العلوم" (العدد 321 بتاريخ 8 أغسطس 2008) كتب سراج الدين ما يلي: "يحتاج العلم لأكثر من مجرد تمويل ومشروعات. فهو يتطلب المزيد من الحرية: حرية التساؤل، وحرية الاعتراض، وحرية التفكير، وحرية التخيل. فيجب أن نكون قادرين على التشكك في المسلمات والفصل في اختلافاتنا بالأدلة والبراهين. فيجب أن نركز على المحتوى العلمي، وليس على من توصلوا إليه، بغض النظر عن العِرْق أو الدين أو الجنس أو النوع. فتلك هي القيم العلمية والمجتمعية التي يجب الدفاع عنها، ليس فقط من أجل دعم العلوم، ولكن من أجل مجتمع أكثر إنسانية."
وخلال مسيرته الرامية لزيادة الاهتمام بالعلوم واستغلال التقدم التكنولوجي في حل مختلف مشكلات العالم، اتفق زملاء سراج الدين على أن أهم مواهبه هي قدرته على الوصول إلى اتفاق بين مختلف الآراء المتعارضة.
يقول رالف سيسيرون؛ رئيس الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم: "إن سراج الدين معروف بمحاربته للتعصب وضيق الأفق في العلوم والسياسة والمجتمع بشكل عام؛ فهو يحارب الجهل بمنطقه العلمي وثقافته الواسعة وإلمامه بالتاريخ والدروس المستفادة منه."
ويضيف سيسيرون أن سراج الدين "من الشخصيات العامة البارزة، وهو يشارك الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم في التزامها بتوعية الناس بأهمية العلم". وفضلاً عن ذلك، يطرح برنامجه الأسبوعي "صالون القاهرة" - الذي يذيعه التلفزيون المصري - قضايا متعددة بهدف دعم التسامح الثقافي والديني. أما برنامج "علماء المسلمين" - الذي يذاع يوميًّا خلال شهر رمضان - فهو يهدف إلى تعريف المشاهدين بإنجازات العالم الإسلامي. ويجري حاليًّا الإعداد لبرنامج "آفاق العلوم" الذي يتناول موضوعات متعددة من الفيزياء والطبيعة والأحياء، مرورًا بتغير المناخ والأمن الغذائي، إلى الطاقة ومصادر المياه، وذلك في إطار رسالته الداعمة لزيادة الاهتمام بالعلوم.
لقد كتب أحد مؤيدي سراج الدين واصفًا إياه: "إن عقل سراج الدين موسوعي، كما أنه متمكن من الشئون العامة الدولية." وهذا ما يؤكد استحقاقه لميدالية خدمة الصالح العام عن جدارة. كما يتمتع سراج الدين أيضًا بشجاعة فكرية غير مسبوقة وإنكار للذات ليس له مثيل.
ومن المزمع أن يتسلم سراج الدين الجائزة في الأول من مايو خلال الاجتماع السنوي الـ 148 للأكاديمية. وقد سبق أن فاز بنفس الجائزة يوجين س. سكوت، ونيل لان، ونورمان بورلاج، وويليام ت. جولدين، وماكسين ف. سينجر، وس. إيفرلت كوب، وكارل ساجان.
والجدير بالذكر أن الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم مؤسسة غير ربحية تأسست عام 1863 تحت رعاية الرئيس أبراهام لينكولن. وهي تحتفي بالإنجازات في العلوم من خلال انتخاب أعضائها، كما تتعاون الأكاديمية عن كثب مع الأكاديمية الوطنية الأمريكية للهندسة، ومعهد الطب، والمجلس القومي للبحوث، في تقديم المشورة للحكومات الفيدرالية والمؤسسات الأخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق