الاثنين، 2 مايو 2011

[الفلسطينية] المصالحة مع الذات الفلسطينية - بقلم د. تحسين الاسطل

المصالحة مع الذات الفلسطينية

بقلم / د. تحسين الاسطل

بتوقيع قادة الفصائل الفلسطينية على اتفاق المصالحة وإنهاء الانقسام في القاهرة خلال أيام، تكون هذه الفصائل وخاصة حركتي فتح وحماس، سجلت الانتصار الحقيقي على الذات ، الذي طالب به شعبنا طويلا منذ بداية الانقسام المؤلم ، والتنازل من اجل الصالح العام ولشعب فلسطين ، بعد أن تبث أنه الحاضنة الطبيعية والقوية لكل فصائله، وان أي عمق خارجي لن يكون ذات جدوى، إن لم يكن يتمتع بالحماية في الحاضنة الشعبية على الأرض الفلسطينية.

فمن تاريخنا الذي هو أفضل عبرة لنا، تأكد الرئيس الشهيد ياسر عرفات وإخوته في منظمة التحرير الفلسطينية من هذه المعادلة ، وتجربتهم المريرة مع الأنظمة الإقليمية والعربية التي حاولت أن ترهن القرار الفلسطيني ، مقابل وقوفها إلى جانب الثورة الفلسطينية ، فوقع الصدام والقطيعة من اجل الحفاظ على استقلالية القرار الفلسطيني ، لان نقاء القضية الفلسطينية لن يتحقق إن تلوثت في أي صراع خارج إطار الصراع مع الاحتلال.

ودفعت الثورة الفلسطينية من لحمها الحي ، ودماء أبنائها في الأردن، ولبنان، وسوريا، قبل أن تُدفع الثورة الفلسطينية بعيدا عن دول الطوق العربي ، ليستقر بها المقام في تونس ، واليمن والسودان ، بعد العام 1982م ، والذي اثر بشكل كبير على نضال الشعب الفلسطيني ، مع انشغال العالم بالحرب الإيرانية العراقية ، والتي كان خاتمتها تجاهل للقضية الفلسطينية في القمة العربية بالأردن في نوفمبر 1987م ، التي اكتفت بتأييد الدعوة لمؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط بمشاركة كل الأطراف ، فما هي إلا ثلاثين يوما حتى انطلقت شرارة الانتفاضة الأولي، لتبدأ القيادة الفلسطينية في اتخاذ القرار بنقل المعركة مع الاحتلال الإسرائيلي إلى الداخل الفلسطيني ، التي تبث نجاحها وتأثيرها القوى على الاحتلال الإسرائيلي ، الذي بدأ يفكر جديا في التفاوض مع رماة الحجارة على الأرض ، الذين وصلت حجارتهم إلى غرفة نومه ، في حين كان لا يتأثر كثيرا برماة الصواريخ ، على أطراف فناء منزله الخارجي.

بيت القصيد في هذا السرد التاريخي ، ونحن مقبلون على المصالحة التي تعتبر المفتاح الحقيقي للدولة الفلسطينية ، انه رغم أهمية العمق العربي والإسلامي والدولي للقضية الفلسطينية ، إلا انه لا يمكن الركون لها ، لتأخذ دور الحاضنة للثورة والدولة ، ففي ظل التغيرات والتقلبات التي يشهدها هذه العمق ، لن يستطيع الشعب الفلسطيني أن يتلون ويتقلب انسجاما معها ، ومن هنا يجب العودة إلى ما أكدته تجارب قادتنا الكبار ، الشهداء أبو عمار وأبو إياد وأبو جهاد ، الذين عملوا على استقلالية القرار الفلسطيني،  بعد عناء طويل مع الأنظمة والإقليم العربي ، دفع شعبنا الكثير من اجل أن يبقى بعيدا عن الصراعات العربية ، والتي حاولت بعض الأنظمة أن تزجه فيها.

ونحن على أبواب عودتنا إلى وحدتنا ، وطي صفحة الانقسام مرة والى الأبد ، أصبحنا ندرك بعدما عانينا من مرارة الانقسام ، لماذا كان الشهيد ياسر عرفات يحثنا على الوحدة في كل كلماته وهمساته ، وجعلها مقترنة دائما بالثوابت ، ففي سنوات التيه الأربعة ، ضاعت هذه الثوابت في زحمة المناكفات السياسية والنعرات الحزبية ، لتصبح خلافاتنا مادة حية لوسائل الإعلام وفضائيات البحث عن المادة الجاهزة ، لإثارة الناس وتهييجها حسب الرغبة والحاجة.

ونحن على أعتاب المصالحة ، نسجل أن سنوات التيه الأربعة كانت الأكثر أمناً وأماناً للاحتلال ، بالرغم من تضاعف قوتنا عدة وعتاد وإمكانيات، مقارنة بتواضع رماة الحجارة وحناجر وخناجر الغاضبين والساخطين على الاحتلال في الانتفاضتين الأولى والثانية .

ونحن على أعتاب المصالحة ، نسجل حالة القلق والخوف والخروج عن المألوف التي عبرت عنها قيادة الاحتلال ، في ردها على المصالحة بأحرفها الأولي ، فهو المستفيد الرئيسي والوحيد من التيه الفلسطيني في سابق أعوامنا الأربعة، والذي يحاول جاهدا أن يبقينا في هذا المستنقع .

ونحن على أعتاب المصالحة ، نسجل بارقة أمل عبر عنها شباب وصبايا وشعب فلسطين، في مستقبل أجمل، عندما ابلغوا من ربان السفينة الفلسطينية ، أنهم في آخر النفق المظلم الذي تاهوا فيه أربعة سنوات ، لم نعرف فيها العدو من الصديق ، وعمل كل من يريد السوء بشعبنا وبقضيته وحريته على  تزيينها إلينا ببعض المسميات الفارغة ، التي لا تغني شيئا عن حريتنا واستقلالنا.

ونسجل أن شعبنا على استعداد أن يدفع أي ثمن مهما كان ، مقابل وحدته وحريته واستقلاله، بالقدر الذي سيدفع أي طرف الثمن غاليا ، إن حاول أن يعيد عجلة القطار إلي الوراء ، ويرجعنا مرة أخرى إلى بداية النفق.

ومن اجل أن تكون المصالحة كاملة وحقيقية ، من غير المقبول أن يملك أي فلسطيني حق الفيتو لمنع فلسطيني آخر من العودة إلى أرضه التي ولد وترعرع فيها ، لأننا نريد أن نجعل من سنوات التيه الأربعة وراء ظهورنا بكل موبقاتها ، وإلا فان هذه المصالحة ستنفجر عند أي اختبار حقيقي لها ، فكل أخطاء وخطايا وجرائم المرحلة السابقة ، يمكن معالجتها بالقانون ، والدستور الأساسي والثوري ، وإصدار العفو من الرئيس ، والبدء بصفحة جديدة في الأعمار وبناء مؤسسات الدولة ، والاحتكام إلى الشعب الفلسطيني مصدر الشرعيات والتشريعات، في كل خلافاتنا، عندها سنتمكن من وضع الاحتلال ولأول مرة على قطار الرحيل الحقيقي ، والتي سيعجل هو بها ، رغم أن بدايتها ستكون مؤلمة وبها الكثير من التضحيات، عندما يفق صوابه المعهود في كل ثورة وانتفاضة لشعبنا ، وأخرها ثورة الانتصار على الذات.

والله من وراء القصد

Tahseen_astal@hotmail.com

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق