رهن العرب في البنك الدولي بقلم / توفيق أبو شومر
من يُتابع حكايا وأقاصيص العرب فإنه يُصاب بالإحباط والمرارة عندما يسمع حجم ثروات رؤساء العرب، ويقارنها بحجم ضائقة الشعوب العربية وفقرها.
ومن يُتابع أخبار موظفي الحكومات العربية الفقيرة من ذوي الرتب العالية، فإنه أيضا يكتئب، وهو يُتابع أخبار وزراء العرب وكبار موظفيهم، وهم يتنقلون بالطائرات من بلد إلى بلد بدعوى المشاريع وخدمة الوطن، ويرفضون أن يسافروا في الدرجات السياحية في الطائرات، ولا يستقلون الطائرات إلا بعد أن يتأكدوا من الحجز في الدرجة الأولى دائما، وهم عندما يَحُلُّون ضيوفا لا يُقصِّرون، فينزلون في الفنادق الفخمة، وهم يقيسون مناصبهم، بحجم المبالغ التي أنفقوها في رحلاتهم، فكلما ارتفعت تكاليف سفرهم، ازدادت قناعتهم بعلو مرتبتهم، ورفعة وسمو قدرهم، حتى ولو كان ذلك إنهاكا لاقتصاد الوطن، وخيانة للثقة التي مُنحت لهم!
قرأت خبرا منذ فترة يقول:
ألغى البيت الأبيض احتفالاتٍ كثيرة، وأقام احتفالات صغيرة بعيد الفصح وغيرها من المناسبات، فقام بتقليص عدد الحاضرين، وبترشيد الطعام في هذه المناسبات، توفيرا للنفقات!
سأظلُّ أحلم بأن أقرأ خبرا مماثلا عن أمة العرب، وسأظل أحلم بأن أسمع رئيسا أو مسؤولا عربيا، لم يقم باستغلال منصبه في جني المكاسب والمغانم، ليس له فقط، بل لكل أفراد أسرته أو المقربين منه، فقد أطلعني أحدهم على ملف ابن أحد المسؤولين البارزين في فلسطين منذ سنوات، والذي ابتعثته فلسطين للدراسة في الخارج ففشل، ثم أطلعني على تفاصيل مصروفات الابن الباهظة جدا، بما في ذلك تكاليف تذاكر سفر زياراته المتعددة للوطن، مع احتفاظ هذا الابن بوظيفة حكومية ظلَّ يتقاضى مرتبا شهريا، وهو غائبٌ عن العمل!
ومن طرائف أمة العرب الغنية حكوميا، والمفلسة شعبيا، أن قامت الدول الثمانية الغنية في العالم يوم 27/5/2011 في اجتماعها الدوري برصد مبلغ عشرين مليار دولار كمساعدة عاجلة للدول العربية( الفقيرة) !! والتي ثارت على أنظمتها الدكتاتورية المستبدة القمعية!!
وقال المحسن الكبير رئيس البعثة الأوروبية خوسيه مانويل باراسو:
" دعونا ندعم الربيع العربي، فأنا متأكد بأنهم سينجحون"
أما السؤال الذي لم يفلح كثيرون في الإجابة عنه حتى اليوم وهو
ما السر في فقر أمة العرب، على الرغم من ثراء بلاد العرب؟
سيظل هذا السؤال مطروحا زمنا طويلا، لأن إجابته سهلةٌ جدا نظريا!!
فالعرب لم يحسنوا استغلال مواردهم البشرية، ولم يحسنوا وضع الخطط المستقبلية الملائمة لأوطانهم، لأنهم ما يزالون يعيشون في ماضيهم، ولم ينتقلوا من الماضي إلى الحاضر، تمهيدا للمستقبل!
كما أن الدول والحكومات والممالك العربية ما تزال في معظمها مستحثات أثرية، تُحاكي صورة مضارب شيوخ القبائل، أو صورة بلاط سلاطين الزمان، وقصور الأباطرة، ممن كانوا يرون في شعوبهم خدماَ فقط !
ظللنا نحلم زمنا بقصور أندلس عبد الرحمن الداخل، وبسفن طارق بن زياد المحروقة، وبمطر سحابة هارون الرشيد في أية بقعة من بقاع ملكه الشاسع، وبفرس عنترة القوي الأدهم المستعصي على الهزيمة، وبكرم السيد بن السيد السخي الكريم المضياف حاتم الطائي، الذي ذبح فرسه في المجاعة لإطعام الضيوف الضالين في الصحراء!!
وبما أننا ورثنا هذه الصفات، فلا عجب حين نشيد قصور ملوكنا ورؤسائنا وحكامنا، على نمط قصر الحمراء، كوشمٍ أزلي، وأن نشتري العقارات في قلب نيويورك ولندن، رمزا لغرز رماحنا في بلاد الأعداء!!
ولا عجب حين نُقيم الموائد في المناسبات، أن تكون قدور طعامنا بسعة حمامات الجاكوزي، وأن يكون فائض طعامنا في مناسبة واحدة كافيا لإطعام مئات الجوعى والمحرومين!
وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف التراثية العربية الأصيلة، ومن باب الوفاء لأجدادنا القدماء؛ فلا مانع من أن نقف على أبواب العالمين مستجدين المنح والهبات والقروض!!
ولعلَّ القروض هي أروع ابتكارات عصر العولمة، فيمكن لرئيس دولة واحد أن يقوم برهن شعبه ووطنه كله، بأرضه ورجاله ونسائه، كعقار وأملاك غائبين، من أجل الحصول على موازنة تُمكنه من الإنفاق ببذخ على أسرته وعائلته وملذاته الشخصية! ، لأن الخسارة في النهاية لن تطاله هو، فالخسارةُ والرهن والحجز والاحتلال المالي الذي هو أسوأ من الاحتلال العسكري في عالم اليوم ،فسوف يقع على الوطن المسكين فقط!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق